الغرور
تجاوز لواقعية قدرات الانسان الطبيعية
الغرور مفردة تتكرر بين الناس، في اوساط الشباب والنساء وربما بين الشيوخ ايضا، أي انها موجودة بين عموم فئات المجتمع، ولكن قبل الخوض في ذلك نتساءل ماهو الغرور؟ ولماذا يستشري بين بعض الناس؟
ماهو الغرور
( إن الزهو، التيه، الخيلاء، التعالي، الإعجاب بالنفس، التكبّر، التباهي، الانتفاخ، مفردات تعبّر عن حالة واحدة وهي - الغرور- )
فما هو الغرور؟
دعونا نلتقط معناه من حركته في واقع الحياة
فهذا الذي يمتلك عضلات مفتولة، ويمشي بين أقرانه وأصدقائه مزهوّاً بقوّته البدنية التي يتصوّر أنّها أكبر من قدراتهم وأعظم، وأنّهم لا يُقاسون ولا يُقارنون به.. مغرور.
وهذه التي وهبها الله جمالاً باهراً، فراحت تتبختر في مشيتها كما لو أنّها هي التي صنعت هذا الجمال،
فترى أنّها أفضل الفتيات لأ نّها أجملهنّ، وتقرأ في عيون الشبّان الإعجاب فيزداد افتتانها بنفسها، وكأنّها حائزة على الفضائل والمكارم كلّها.. مغرورة.
هكذا يتوضح لنا معنى هذه المفردة، وقد ضُربتْ بها الامثال حتى على غير الانسان كما في هذا القول
فهناك (ديك يتصوّر أنّه إذا لم يرفع صوته بالصياح صباحاً، فإنّ الشمس لا تشرق في ذلك اليوم!) انه ديك مغرور قطعا، ولكن أي درجة من الغرور هذه التي تجعل حتى الديك يتصور مثل هذا التصور.
إذن فهذه الصفة لاتنحصر بشخص دون غيرة، او بموهبة دون غيرها، إنها حالة شعورية قد تشمل الكثير من الناس لاسيما ذلك الانسان الذي لم يحصِّن نفسه من صفة الغرور.
فالطالب الذي يتفوّق في دراسته فيصبح الأوّل في صفّه، ويرى أ نّه أفضل من زملائه في كلّ شيء وإلاّ لما كان المتفوّق فيهم.. مغرور.
وتلك التي تنظر نفسها من خلال موقع أبيها وثروته وسمعته، فتتباهى على صديقاتِها حتى اللائي هنّ أفضل منها علماً وخُلقاً، وترى أنّها أرفع قدراً وأعظم منزلة لأ نّها ابنة المسؤول الفلاني، أو العالم الفلاني، أو التاجر الفلاني.. مغرورة.
والذي يمتلك موهبة معيّنة في حقل معيّن فيتيه ويتبختر لأ نّه يمتلك ما لا يمتلكه الآخرون وكأنّ موهبته امتياز إلهي منحه الله له دون غيره، وقد يكون موهبة ربّانية فعلاً لكنّه بدلاً من أن يرعاها ويشكرها تراه يباهي الناس بها ويرى أ نّه الأفضل عند الله وأنّ لديه الحظوة عنده.. مغرور.
والتي لاتجالس الفتيات الفقيرات البائسات المعدمات، أو اللواتي لا يرتدين الملابس الفاخرة والزينة الزاهية الغالية، لأ نّهنّ لسن من طبقتها، أو أنّها إذا خالطتهنّ فقد يُنظر إليها نظرة استصغار
باعتبار أنّها تصاحب مَنْ هنّ دون مستواها المعيشي أو الترفي، فتنأى عنهنّ كمن يفرّ من انسان مصاب بالجرب أو بمرض معد.. مغرورة ومتكبّرة.
ويمكن القول هنا ان من يُصاب بالغرور سيصاب بعدم الاعتراف بالخطأ، أو بعدم قبول النصيحة من الآخرين.
فالذي يُخطئ ويظهر له خطأه عياناً ولا يعترف به، بل يكابر ويدافع عن أخطائه ويعتبرها صحيحة، أو يبرّرها بمبررات يحاول أن يرفع من خلالها عن نفسه صفة المخطئ.. مغرور.
والذي يترفّع، أو يستنكف عن سؤال الآخرين الأكبر سنّاً والأكثر علماً والأثمن تجربة وخبرة، لأ نّه يرى أ نّه في غنى عن ذلك كلّه، وأنّ ما لديه من عمر وتجربة وعلم كاف بأن يلهمه السداد والصواب.. مغرور.
والذي يجد صعوبة بالغة في تقبّل الموعظة والنصيحة لأنّه أكبر من المواعظ والنصائح والإرشادات، بل لا يطلبها حتى مع الحاجة إليها لأ نّها في نظره تقلّل من شأنه وتحطّ من قدره وقيمته.. متكبّر مغرور،
وفي الفتيات أيضاً مَنْ تصمّ سمعها عن النصائح لأنّها تجد نفسها فوق النصيحة، وهذا هو منطق المغرورين
كذلك يبرز الغرور لدى من يعتبر نفسه منزها عن الخطأ
فهناك أناس يرفضون النقد والمحاسبة والتقويم، ويعتبرون ذلك ـ حتى ولو كان حقّاً وصدقاً ـ حسداً وشماتة أو طعناً في كرامتهم ومسّاً بمكانتهم..ولذلك فهم مغرورون.
إنّ الأمثلة السابقة، وغيرها كثير، عينات اجتماعية نلتقيها يومياً وفي كلّ مكان،
تفيد أنّ الغرور وما يستتبعه من تكبّر وعلوّ يعني حالة من الافتتان أو الإعجاب الشديد بالنفس لدرجة الشعور أنّها أعظم من غيرها، الأمر الذي ينتج عنه النظر إلى النفس بعين الإكبار،
وإلى الآخرين بعين الإستصغار، وهي نظرة ـأقلّ ما يقال عنهاـ أنّها غير إيمانية.
لماذا تتضخم الذات
إن السبب الاساس في تضخم الذات هو فشل الانسان في تقييمه لنفسه، فـلو درسنا شخصية أي مغرور أو أيّة مغرورة، لرأينا أنّ هناك خطأً في تقييم وتقدير كلّ منهما لنفسه.
فالمغرور ـ شاباً كان أو فتاة، رجلاً كان أو امرأة ـ يرى نفسه مفخّمة وأكبر من حجمها، بل وأكبر من غيرها أيضاً،
فيداخله العجب ويشعر بالزهو والخيلاء لخصلة يمتاز بها، أو يتفوّق بها على غيره، وقد لا تكون بالضرورة نتيجة جهد شخصي بذله لتحصيلها، وإنّما قد تكون هبة أو منحة حباه اللهُ إيّاها.
وهذا يعني أن نظرة المغرور إلى نفسه غير متوازنة، ففي الوقت الذي ينظر إلى نفسه باكبار ومغالاة،
تراه ينظر إلى غيره باستصغار وإجحاف، فلا نظرته إلى نفسه صحيحة ولا نظرته إلى غيره سليمة. ومنشأ هذا الاختلال في التقويم هو شعور داخلي بالنقص يحاول المغرور أو المتكبّر تغطيته برداء غروره وتكبّره،
وقد جاء في الحديث: «ما من رجل تكبّر أو تجبّر إلاّ لذلّة وجدها في نفسه». فكيف يكون ذلك؟
لو افترضنا أنّ هناك شاباً رياضياً
حاز على البطولة في إحدى الألعاب المعروفة (الجري) أو (رفع الأثقال) أو (كرة الطاولة) فإنّ الذي أوصله إلى البطولة هو الجهود المبذولة والتدريب المتواصل الذي يرفع من مستوى أداء اللاعب ويؤهله إلى الفوز بالبطولة، وقد تكون هناك عوامل ثانوية أخرى.
فالتقرير الصائب للفوز هو العمل بقاعدة «مَنْ جدّ وجد» وعلى مقدار الجهد المبذول تأتي النتائج. وهذا بالطبع أمر مستطاع وبإمكان أي شاب آخر أن يصل إليه ضمن نفس الشروط والإمكانات والظروف.
فإذا كانت النتائج الممتازة طبيعية ولا تمثّل معجزة. وإذا كان تحقيقها من قبل الآخرين ممكناً. وإذا كان هناك مَنْ حاز على البطولة مرّات عديدة.
ولو نظرتَ إلى المغرور جيِّداً لرأيت أنّه يعيش حبّين مزدوجين: حبّاً لنفسه وحبّاً للظهور،
أي أنّ المغرور يعيش حالة أنانية طاغية، وحالة ملحّة من البحث عن الإطراء والثناء والمديح.
وفي الوقت نفسه، تراه يقدِّم لنفسه عن نفسه تصورات وهمية فيها شيء من التهويل، فمثلاً يناجي نفسه بأنّه طالما حاز على البطولة في هذه المباراة، فإنّه سينالها في كلّ مباراة، ومهما كان مستوى الأبطال أو الرياضيين الذين ينازلونه.
وهنا يجب التفريق بين مسألتين: الثقة بالنفس والغرور.
فالثقة بالنفس، أو ما يسمّى أحياناً بالاعتدادَ بالنفس تتأتّى من عوامل عدّة، أهمّها: تكرار النجاح، والقدرة على تجاوز الصعوبات والمواقف المحرجة،
والحكمة في التعامل، وتوطين النفس على تقبّل النتائج مهما كانت، وهذا شيء إيجابي.
أمّا الغرور فشعور بالعظمة وتوهّم الكمال، أي أنّ الفرق بين الثقة بالنفس وبين الغرور هو أنّ الأولى تقدير للامكانات المتوافرة،
أمّا الغرور ففقدان أو إساءة لهذا التقدير.
وقد تزداد الثقة بالنفس للدرجة التي يرى صاحبها ـ في نفسه ـ القدرة على كلّ شيء، فتنقلب إلى غرور
وهكذا تتمثل حالة الغرور في تجاوز خط الثقة بالنفس والقدرات الواقعية للانسان،
بحيث تنقلب من حالة الاعتداد بالنفس الى الغرور،
وهنا يتوجب على الانسان الناضج مراقبة هذا الخط وعدم تجاوزه
لتحاشي العبور من خانة الثقة بالنفس الى خانة الغرور المضر في كل الأحوال.